أتذكر جيداً "سارة"، طالبة مجتهدة كانت تتقن قواعد اللغة الإنجليزية بشكل مذهل، لكن عندما يتعلق الأمر بالتحدث، كانت تتوقف كثيراً، وكلماتها تخرج بصعوبة، وكأنها تبني كل جملة في رأسها أولاً بالعربية ثم تحاول ترجمتها حرفياً إلى الإنجليزية. هذه المعضلة ليست فريدة لسارة؛ إنها تحدٍ يواجهه غالبية طلابي المتحدثين بالعربية، والذي أسميه "فخ الترجمة الحرفية".
لماذا نقع في فخ الترجمة الحرفية؟
السبب بسيط وعميق في آن واحد: اللغة ليست مجرد كلمات. إنها نسيج من الثقافة، السياقات، والعبارات الاصطلاحية. عندما نحاول ترجمة عبارة عربية مثل "روحي في أنفي" إلى "my soul is in my nose"، ندرك على الفور أن الترجمة الحرفية لا تعمل. نحن نحمل معنا طرق تفكيرنا وبناء جملنا من لغتنا الأم، وهذا أمر طبيعي في بداية رحلة التعلم. لكن الاستمرار في هذا النهج يعيق التفكير باللغة الجديدة.
تجارب من الفصل الدراسي: "خالد" وتعبير "أتطلع إلى"
كان خالد، وهو مهندس شاب، يعاني كثيراً مع الرسائل الرسمية. ذات مرة، أراد أن يكتب "I look forward to hearing from you"، لكنه أصر على ترجمتها حرفياً كـ "I anticipate receiving your words". شرحت له أن التعبير الإنجليزي يحمل معنى معيناً ويُستخدم في سياقات محددة، وأن محاولة إعادة بناء المعنى من الصفر في كل مرة يستهلك وقته وجهده ويجعله يبدو أقل طلاقة. قضينا وقتاً طويلاً في تدريبه على التعابير الجاهزة وكيفية استخدامها في سياقاتها الصحيحة. الأمر أشبه بتعلم وصفة طعام؛ لا تعيد اختراع المكونات في كل مرة.
كيف نتجاوز هذه العقبة؟
1. فكر بالإنجليزية، لا تترجم
قد تبدو هذه النصيحة صعبة، لكني أرى نتائجها تتحقق يوماً بعد يوم. الهدف ليس ترجمة ما يدور في ذهنك، بل محاولة صياغة الأفكار مباشرة بالإنجليزية. كيف نبدأ؟ حاول أن تصف شيئاً بسيطاً حولك: "This is a blue pen." بدلاً من "هذه القلم أزرق". مع الممارسة، ستجد أن دماغك يبدأ في إنشاء مسارات جديدة للتفكير. الأمر يتطلب الصبر والمثابرة.
لديّ طالبة تدعى "ليلى"، كانت في البداية تبدأ كل جملة بقول "أنا أريد أن أقول...". نصحتها بأن تحاول التحدث عن الصورة التي أمامها مباشرة. أعطيتها صورة لطفلة تلعب في الحديقة وطلبت منها أن تصفها بالإنجليزية دون التفكير بالعربية أولاً. في البداية كان الأمر صعباً، لكن بعد عدة محاولات، بدأت تقول: "A girl is playing. She has a red ball. The grass is green.". كانت هذه نقطة تحول كبيرة لها.
2. استوعب التعابير الاصطلاحية ككتلة واحدة
كما ذكرت قصة خالد، التعابير الاصطلاحية والعبارات الشائعة هي لب اللغة. لا تحاول تحليل كل كلمة على حدة. تعلمها كـ "وحدات معنى" متكاملة. على سبيل المثال، "break a leg" تعني "حظاً سعيداً"، ولا علاقة لها بكسر الأرجل! كلما زادت حصيلتك من هذه التعابير، أصبحت لغتك أكثر طبيعية وأقل "ترجمةً".
كان "فهد"، وهو رجل أعمال، يستعد لعرض تقديمي مهم. أراد أن يشكر الجمهور على "وقتهم الثمين". حاول أن يقول "thank you for your expensive time". صححت له، وأخبرته أن التعبير الشائع هو "thank you for your valuable time" أو ببساطة "thank you for your time". فهم هذه الفروق الدقيقة هو ما يميز المتحدث الماهر.
3. اقرأ واستمع للإنجليزية الأصيلة بكثرة
الغوص في المحتوى الإنجليزي الأصيل – كتب، مقالات، بودكاست، أفلام – يساعدك على استيعاب بنية الجمل وطرق التعبير الطبيعية دون الحاجة للترجمة. عندما تقرأ أو تستمع، لا تركز على ترجمة كل كلمة، بل حاول فهم المعنى العام والسياق. هذا يعزز قدرتك على التفكير بالإنجليزية بشكل غير مباشر.
أتذكر أحد طلابي، "نور"، كانت تعشق مشاهدة المسلسلات الأمريكية. في البداية، كانت تعتمد بشكل كلي على الترجمة العربية. نصحتها أن تبدأ بمشاهدة الحلقات مع الترجمة الإنجليزية، ثم بدون أي ترجمة على الإطلاق. في البداية، شعرت بالإحباط، لكن بعد فترة، لاحظت أنها بدأت تلتقط العبارات والتعبيرات بشكل طبيعي، وأصبح التفكير بالإنجليزية أسهل بكثير عليها.
4. لا تخف من ارتكاب الأخطاء
الخوف من ارتكاب الأخطاء هو أحد أكبر المعيقات. كل متعلم يمر بمرحلة الترجمة الحرفية، وهذا جزء طبيعي من عملية التعلم. المهم هو التعلم من هذه الأخطاء ومحاولة تصحيحها. تذكر أن الهدف هو التواصل بفعالية، وليس التحدث ببراعة مطلقة منذ اليوم الأول.
خلال سنواتي الطويلة في التدريس، رأيت الكثير من الطلاب يخافون من التحدث خوفاً من الأخطاء. "أحمد"، وهو طالب جامعي، كان يكتب نصوصاً ممتازة، لكنه كان يتجمد تماماً عند التحدث. شجعته على الانضمام إلى مجموعات المحادثة، حتى لو أخطأ. بدأت بتصوير محادثاته لنفسه وهو يتحدث، ثم يعود لمشاهدتها وتحديد الأخطاء. هذه التجربة ساعدته كثيراً على تجاوز حاجز الخوف والبدء في التعبير بحرية أكبر.
في الختام، تجاوز عقبة الترجمة الحرفية ليس أمراً يحدث بين عشية وضحاها، بل هو رحلة تتطلب الوعي والممارسة والصبر. تذكروا قصص سارة، خالد، ليلى، فهد، نور، وأحمد. كل منهم بدأ من نقطة ما، ومع الاستمرارية والتوجيه الصحيح، تمكنوا من تحقيق تقدم ملموس. الأهم هو أن تستمروا في المحاولة، وتتذكروا أن كل كلمة إنجليزية تتعلمونها هي خطوة نحو التفكير بلغة جديدة، نحو فتح آفاق جديدة للمعرفة والتواصل.